hamlit71 Moderator
النوع : المساهمات : 483 تاريخ التسجيل : 13/02/2009 نقاط : 58079
| موضوع: مصطفى محمود يتكلم الإثنين نوفمبر 02, 2009 6:29 pm | |
| يقول مصطفى محمود كان ذلك من زمن بعيد لست
أذكره.. ربما كنت أدرج من الثالثة عشرة إلى
الرابعة عشرة وربما قبل ذلك.. في مطالع
المراهقة.. حينما بدأت أتساءل في تمرد: - تقولون
إن الله خلق الدنيا لأنه لا بد لكل مخلوق من خالق
ولا بد لكل صنعة من صانع ولا بد لكل موجود من
موجد.. صدقنا وآمنا.. فلتقولوا لي إذن من خلق الله..
أم أنه جاء بذاته.. فإذا كان قد جاء بذاته وصح في
تصوركم أن يتم هذا الأمر.. فلماذا لا يصح في
تصوركم أيضا أن الدنيا جاءت بذاتها بلا خالق
وينتهي الإشكال.
كنت أقول هذا فتصفر من حولي الوجوه وتنطلق
الألسن تمطرني باللعنات وتتسابق إلي اللكمات
عن يمين وشمال.. ويستغفر لي أصحاب القلوب
التقية ويطلبون لي الهدى.. ويتبرأ مني المتزمتون
ويجتمع حولي المتمردون.. فنغرق معا في جدل لا
ينتهي إلا ليبدأ ولا يبدأ إلا ليسترسل.
وتغيب عني تلك الأيام الحقيقة الأولى وراء ذلك
الجدل. إن زهوي بعقلي الذي بدأ يتفتح وإعجابي
بموهبة الكلام ومقارعة الحجج التي انفردت بها..
كان هو الحافز دائما.. وكان هو المشجع.. وكان هو
الدافع.. وليس البحث عن الحقيقة ولا كشف
الصواب.
لقد رفضت عبادة الله لأني استغرقت في عبادة
نفسي وأعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في
فكري مع انفتاح الوعي وبداية الصحوة من مهد
الطفولة.
كانت هذه هي الحالة النفسية وراء المشهد
الجدلي الذي يتكرر كل يوم. وغابت عني أيضا
أصول المنطق وأنا أعالج المنطق ولم أدرك أني
أتناقض مع نفسي إذ كيف أعترف بالخالق ثم أقول
ومن خلق الخالق فأجعل منه مخلوقا في الوقت
الذي أسميه خالقا وهي السفسطة بعينها.
ثم إن القول بسبب أول للوجود يقتضي أن يكون
هذا السبب واجب الوجود في ذاته وليس معتمدا
ولا محتاجا لغيره لكي يوجد. أما أن يكون السبب
في حاجة إلى سبب فإن هذا يجعله واحدة من
حلقات السببية ولا يجعل منه سببا أول.
هذه هي أبعاد القضية الفلسفية التي انتهت
بـ''أرسطو'' إلى القول بالسبب الأول والمحرك الأول
للوجود.
ولم تكن هذه الأبعاد واضحة في ذهني في ذلك
الحين.
ولم أكن قد عرفت بعد من هو ''أرسطو''، ولا ما هي
القوانين الأولى للمنطق والجدل.
واحتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب
وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل والحوار مع النفس
وإعادة النظر ثم إعادة النظر في إعادة النظر.. ثم
تقليب الفكر على كل وجه لأقطع فيه الطريق
الشائكة من الله والإنسان إلى لغز الحياة إلى لغز
الموت إلى ما أكتب من كلمات على درب اليقين.
لم يكن الأمر سهلا.. لأني لم أشأ أن آخذ الأمر
مأخذا سهلا.
ولو أني أصغيت إلى صوت الفطرة وتركت البداهة
تقودني لأعفيت نفسي من عناء الجدل ..
ولقادتني الفطرة إلى الله.. ولكنني جئت في زمن
تعقد فيه كل شيء وضعف صوت الفطرة حتى صار
همسا وارتفع صوت العقل حتى صار لجاجة وغرورا
واعتدادا.. والعقل معذور في إسرافه إذ يرى نفسه
واقفا على هرم هائل من المنجزات وإذ يرى نفسه
مانحا للحضارة بما فيها من صناعة وكهرباء وصواريخ
وطائرات وغواصات وإذ يرى نفسه قد اقتحم البر
والبحر والجو والماء وما تحت الماء.. فتصور نفسه
القادر على كل شيء وزج نفسه في كل شيء
وأقام نفسه حاكما على ما يعلم وما لا يعلم.
* * *
وغرقت في مكتبة البلدية بطنطا وأنا صبي أقرأ
لشبلي شميل وسلامة موسى وأتعرف على فرويد
ودارون.
وشغفت بالكيمياء والطبيعة والبيولوجيا.. وكان لي
معمل صغير في غرفتي أجضر فيه غاز ثاني أكسيد
الكربون وثاني أكسيد الكبريت وأقتل الصراصير
بالكلور وأشرح فيه الضفادع.
وكانت الصيحة التي غمرت العالم هي.. العلم..
العلم.. العلم.. ولا شيء غير العلم.
النظرة الموضوعية هي الطريق
لنرفض الغيبيات ولنكف عن إطلاق البخور وترديد
الخرافات.
من يعطينا دبابات وطائرات ويأخذ منا الأديان
والعبادات؟؟ وكان ما يصلنا من أنباء العلم الغربي
باهرا يخطف أبصارنا وكنا نأخذ عن الغرب كل
شيء.. الكتب والدواء والملابس والمنسوجات
والقاطرات والسيارات وحتى الأطعمة المعلبة حتى
قلم الرصاص والدبوس والإبرة حتى نظم التعليم
وقوالب التأليف الأدبي من قصة ومسرحية ورواية
حتى ورق الصحف.
وحول أبطال الغرب وعبقرياته كنا ننسج أحلامنا
ومثلنا العليا.. حول ''باستير'' و''ماركوني'' و''رونتجن''
و''أديسون''.. وحول ''نابليون'' و''إبراهام لنكولن''..
و''كرستوفر كولمبس'' و''ماجلان''.
كان الغرب هو التقدم
وكان الشرق العربي هو التخلف والضعف والتخاذل
والإنهيار تحت أقدام الاستعمار.
وكان طبيعيا أن نتصور أن كل ما يأتينا من الغرب هو
النور والحق.. وهو السبيل إلى القوة والخلاص.
ودخلت كلية الطب لأتلقى العلوم بلغة إنجليزية
وأدرس التشريح في مراجع إنجليزية وأتكلم مع
أستاذي في المشفى باللغة الإنجليزية.. ليس لأن
إنجلترا كانت تحتل القناة لكن لسبب آخر مشروع
وعادل.. هو أن علم الطب الحديث كان صناعة
غربية تماما.. وما بدأه العرب في هذه العلوم أيام
ابن سينا، كان مجرد أوليات لا تفي بحاجات العصر.
وقد التقط علماء الغرب الخيط من حيث انتهى ابن
سينا والباحثون العرب ثم استأنفوا الطريق بإمكانيات
متطورة ومعامل ومختبرات وملايين الجنيهات
المرصودة للبحث، فسبقوا الأولين من العرب
والفرس والعجم، وأقاموا صرح علم الطب الحديث
والفسيولوجيا والتشريح والباثولوجيا وأصبحوا بحق
مرجعا.
وتعلمت ما تعلمت في كتب الطب.. النظرة العلمية..
وأنه لا يصح إقامة حكم بدون حيثيات من الواقع
وشواهد من الحس.
وأن العلم يبدأ من المحسوس والمنظور والملموس
وأن العلم ذاته هو عملية جمع شواهد واستخراج
قوانين.
وما لا يقع تحت الحس فهو في النظرة العلمية غير
موجود.
وأن الغيب لا حساب له في الحكم العلمي.
بهذا العقل العلمي المادي البحت بدأت رحلتي في
عالم العقيدة وبالرغم من هذه الأرضية المادية
والانطلاق من المحسوسات الذي ينكر كل ما هو
غيب فإني لم أستطع أن أنفي أو أستبعد القوة
الإلهية.
كان العلم يقدم صورة عن الكون بالغة الإحكام
والانضباط.. كل شيء من ورقة الشجر إلى جناح
الفراشة إلى ذرة الرمل فيها تناسق ونظام وجمال
الكون كله مبني وفق هندسة وقوانين دقيقة.
وكل شيء يتحرك بحساب من الذرة المتناهية في
الصغر إلى الفلك العظيم إلى الشمس وكواكبها
إلى المجرة الهائلة التي يقول لنا الفلك إن فيها أكثر
من ألف مليون مجرة.
كل هذا الوجود اللا متناهي من أصغر إلكترون إلى
أعظم جرم سماوي كنت أراه أشبه بمعزوفة
متناسقة الأنغام مضبوطة التوزيع كل حركة فيها
بمقدار.. أشبه بالبدن المتكامل الذي فيه روح.
كان العلم يمدني بوسيلة أتصور بها الله بطريقة
مادية.
وفي هذه المرحلة تصورت أن الله هو الطاقة الباطنة
في الكون التي تنظمه في منظومات جميلة من
أحياء وجمادات وأراض وسماوات. هو الحركة التي
كشفها العلم في الذرة وفي البروتوبلازم وفي
الأفلاك..
هو الحيوية الخالقة الباطنة في كل شيء..أو بعبارة
القديس توماس..الفعل الخالص الذي ظل يتحول
في الميكروب حتى أصبح إنسانا ومازال
يتحول.وسيظل يتحول إلى ما لانهاية.
والوجود كان في تصوري لا محدودا لا نهائيا. إذ لا
يمكن أن يحد الوجود إلا العدم.. والعدم معدوم..
ومن هنا يلزم منطقيا أن يكون الوجود غير محدود
ولا نهائي.
ولا يصح أن نسأل..من الذي خلق الكون. إذ أن
السؤال يستتبع أن الكون كان معدوما في البداية
ثم وجد.. وكيف يكون لمعدوم كيان.
إن العدم معدوم في الزمان والمكان وساقط في
حساب الكلام ولا يصح القول بأنه كان.
وبهذا جعلت من الوجود حدثا قديما أبديا أزليا ممتدا
في الزمان لا حدود له ولا نهاية.
وأصبح الله في هذه النظرة هو الكل ونحن تجلياته.
الله هو الوجود.. والعدم قبله معدوم.
هو الوجود المادي الممتد أزلا وأبدا بلا بدء وبلا
نهاية.
وهكذا أقمت لنفسي نظرية تكتفي بالموجود..وترى
أن الله هو الوجود..دون حاجة إلى افتراض الغيب
والمغيبات..ودون حاجة إلى التماس اللامنظور.
وبذلك وقعت في أسر فكرة وحدة الوجود الهندية
وفلسفة سبينوزا..وفكرة برجسون عن الطاقة
الباطنة الخلاقة وكلها فلسفات تبدأ من الأرض..من
الحواس الخمس.. ولا تعترف بالمغيبات.
ووحدة الوجود الهندية تمضي إلى أكثر من ذلك
فتلغى الثنائية بين المخلوق والخالق..فكل
المخلوقات في نظرها هي عيني الخالق.
وفي سفر اليوبانيشاد صلاة هندية قديمة تشرح
هذا المعنى في أبيات رقيقة من الشعر.
إن الإله براهما الذي يسكن قلب العالم يتحدث في
همس قائلا: إذا ظن القاتل أنه قاتل والمقتول أنه
قتيل فليسا يدريان ما خفي من أساليبي حيث
أكون الصدر لمن يموت والسلاح لمن يقتل والجناح
لمن يطير وحيث أكون لمن يشك في وجودي.
| |
|
سيف المحيط1 صيدلي شغااال
المساهمات : 203 تاريخ التسجيل : 15/02/2009 نقاط : 57624
| موضوع: رد: مصطفى محمود يتكلم السبت نوفمبر 07, 2009 7:12 am | |
| كلام جميل .........كلام معقول ......... مقدرش اقول حاجة عنه.........
ولكن لي تعقيب بسيط واختلاف بسيط ايضا معك يا مستر
انا كنت سأضع موضوعا عن الدكنور مضطفي محمود _لانه قيمة لا يعرف الكثيرون قيمتها _ لولا انك سبقتني
اما الاختلاف معك في رأيي كان من الممكن ان نتناول انجازات الدكتور مثلا مثل العلم والايمان وليس ان نتحدث عن انه كان قد تحدث في الذات الالهية في فترة ولكنه عدل عنها مرة اخري............................ شكرا | |
|